ربما تسيطر الدهشة على بعضنا من قرار العمل بالتوقيت الصيفى اعتبارًا من 15 مايو الجارى، كما سيطرت على البعض أمام قرار إلغاء العمل به فى 20 أبريل 2011، كما قد تسيطر الدهشة ذاتها على الجميع أمام عنوان الموضوع “ساعة مصر للخلف دُر”، بينما الحقيقة أن الساعة ستتقدم للأمام 60 دقيقة.
ربما يحمل التوقيت الصيفى مميزات وعيوبًا، وسلبيات وإيجابيات، ولكن تظل الدهشة من قرار إلغائه دون مردود وانعكاس ظاهرين، ومن قرار عودته دون أسباب واحتياجات حقيقيين، ونظل فى حاجة إلى معرفة تفاصيل هذا النمط من حساب الوقت والتعامل مع ساعات اليوم، ومعلومات منشئه وأسباب التفكير فيه وشركائنا فى السير على الطريق ذاتها فى العمل بهذا التوقيت، لذا يضع “كايرو دار” يدك عزيزى القارئ – فى هذا الملف السريع والمُركّز – على حقائق التوقيت الصيفى، تاريخيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وجغرافيًّا.
* التوقيت الصيفى فى مصر
قررت مصر العودة إلى العمل بالتوقيت الصيفى اعتبارًا من يوم 15 مايو الجارى، باستثناء شهر رمضان المقبل، وقد كان من ضمن الأهداف الأساسية لهذا القرار، الرغبة فى تقليل استخدام الأنوار الكهربائية فى المساء، لأن العمل بالتوقيت الشتوى خلال فصلى الربيع والصيف يزيد من معدلات استهلاك الطاقة الكهربائية.
وبهذا القرار يعود التوقيت الصيفى فى ظل حكومة المهندس إبراهيم محلب، بعد 3 سنوات من قرار إلغائه فى أبريل عام 2011، فى عهد حكومة الدكتور عصام شرف، وهو الأمر الذى أثار سخرية نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى، والذين اعتبروه المكسب الوحيد المتبقى من ثورة يناير، حيث قال أحدهم ساخرًا: “حتى يا ربى اللى فضل لنا من ريحة الثورة راااح”.
كان رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور عصام شرف، قد أصدر مرسومًا وزاريًّا يفيد بإلغاء العمل بالتوقيت الصيفى الذى كان يتم العمل به فى مصر فى الجمعة الأخيرة من شهر أبريل من كل عام، وذلك بعد أن جرى حينها جدل كبير حول مدى جدوى وأهمية العمل بالتوقيت الصيفى، وخلص إلى أن العمل بالتوقيت الصيفى لا يقلل من استخدام الكهرباء، كما أن له أضرارًا كبيرة على الصحة العامة للإنسان.
* صاحب الفكرة وبداية التطبيق
تعود فكرة التوقيت الصيفى إلى “بنيامين فرانكلين”، العالم الشهير متعدد المواهب والقدرات، والذى كان أول من وضع الصور فى الإعلانات، وأول من اكتشف هواء الزفير السام، وأول من فكّر فى اتباع نظام التوقيت الصيفى عام 1784، خلال إقامته فى العاصمة الفرنسية باريس، كمندوب للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك ضمن تقديمه لخطة اقتصادية.
لم تبد الفكرة جدّيَّةً فى البداية، حتى تحقَّقت لأول مرة أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث أجبرت الظّروف عددًا من البلدان المتقاتلة على وجود وسائل جديدة للحفاظ على الطاقة، فكانت ألمانيا أول بلد يعلن تطبيق التوقيت الصيفى، تبعتها بريطانيا بعد فترة قصيرة.
* أسباب العمل بالتوقيت الصيفى
لجأت دول نصف الكرة الأرضية الشمالى إلى تقديم توقيتها ساعة واحدة بدءًا من الربيع، لاستغلال فترات الشمس الطويلة فيها حتى مطلع الخريف، على اعتبار أن كل أنواع الطاقة التى نستخدمها على الأرض هى طاقة شمسية محوّلة إلى طاقة كهربائية أو طاقة رياح أو سواهما من أنواع الطاقة، كما أنه مع حلول فصل الشتاء تصبح العودة إلى التوقيت الشتوى ضرورة، وذلك بعد زوال الأسباب التى دعت إلى تغييره فى فصل الربيع.
وكان السبب الذى دعا بعض الدول الأخرى إلى اتباع هذه الطريقة فى تغيير التوقيت بين صيفى وشتوى، ومنها سوريا، يعود إلى تأثرها بطول وقصر الليل والنهار على مدى العام، وخصوصًا الدول التى تقع بعيدًا عن خط الاستواء، وذلك نظرًا لأن فترة النهار هى المشكلة الرئيسية، كونها تمثل معظم أمور المعيشة والأعمال الرسمية، كما أن التوقيت الصيفى يعتبر من الضروريات التى لا غنى عنها فى الدول التى تقع بالقرب من مدارى الجدى والسرطان، فالدول التى تقع على مقربة من هذين المدارين على سطح الكرة الأرضية يتغير طول النهار والصيف فيها بشكل واضح، فنجد أن طول النهار يزداد خلال فصل الصيف ليصل إلى حوالى 14 ساعة، بينما يصل طول الليل إلى 10 ساعات تقريبًا، أى أن الفارق بين عدد ساعات الليل والنهار يكون حوالى 4 ساعات، وهى مدة ليست بالقصيرة.
* أضرار التوقيت الصيفى على صحة الإنسان
يتجدّد حديث الناس حول هذه الخطوة كل عام، حينما يتم تغيير الساعة إلى العمل بالتوقيت الصيفى، فهناك من ينزعج وهناك من يؤيد الأمر، بينما تظل للتوقيت الصيفى سلبيات وآثار جانبية رغم إيجابياته:
* يؤثر التوقيت الصيفى فى مزاج عدد كبير من البشر، حيث يجدون صعوبة فى التأقلم معه نتيجة اضطراب ساعات النوم وتأثيرها السلبى على نشاطهم، إضافة إلى فقدان التركيز بسبب تقلص عدد ساعات نومهم.
* أكد كثيرون من الأطباء ضرورة زيادة عدد العاملين فى المستشفيات، لأن الأشخاص المعرضين للإصابة بالفعل بأمراض القلب قد يكونون عرضة للإصابة بها بصورة أكبر بعد تغييرات الوقت المفاجئة مباشرة، وتحديدًا فى اليوم الأول للعمل بالتوقيت الصيفى، نتيجة نقص ساعات نوم العاملين ساعة كاملة بشكل مفاجئ.
* حذر بعض الأطباء من أن من الممكن أن يكون لذلك تأثير على إنتاجية الإنسان، فتأخير ساعات الاستيقاظ له تأثيرات فسيولوجية على الجسم، حيث يحتاج الإنسان إلى مدة لا تقل عن شهر ليتكيّف جسده مع هذه التغيّرات، ولذلك فالأفضل أن يستمر التوقيت الشتوى.
* أجرى علماء من جامعة “لودفيج – ماكسيمالين” فى مدينة ميونيخ الألمانية، دراسة على نحو 55 ألف شخص، حيث راقب القائمون على الدراسة حركات النوم لدى المتطوعين على مدار 8 أسابيع، شملت الفترات التى يتم فيها تغيير التوقيت، وجرى قياس أنشطة المتطوعين وحركاتهم باستخدام أسورة توضع فى اليد طوال الأسابيع الثمانية، وقد أوضحت النتائج أن المشاركين فى الدراسة لا يصبحون بكامل لياقتهم المعتادة ونشاطهم فى الحركة إلا بعد ساعة كاملة، وأرجع الخبراء هذا الأمر إلى أن الساعة البيولوجية لم تتغيّر مع تغيّر التوقيت الصيفى، مؤكدين أن الساعة البيولوجية نظام معقد للغاية، يتأقلم على الفترات الزمنية خلال اليوم بشكل دقيق للغاية.
* البلدان التى تطبق التوقيت الصيفى
جدير بالذكر أن فى العالم حاليًا حوالى 87 دولة تتبع نظام التوقيت الصيفى، منها: المملكة المغربية وسوريا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإيران وتونس وليبيا والبرازيل واستراليا ونيوزلندا ودول الاتحاد الأوروبى وروسيا وتركيا.