ماذا بعد رمضان؟ لقدِ انتهى رمضان بِأَجْوائه الرُّوحيَّة ذات الألوان الجميلة المختلفة، وذات الصور المُضيئة المُشْرِقة.
وأيام العيد تَمضي بِمباهجها، ومظاهر اللَّهو واللعب فيها.
وتُقبل أيام، مرحلة جديدة من مراحل عُمر المسلم، فماذا يجب عليه بعد رمضان؟
بعد
دخول مدرسة رمضان النَّفسيَّة القلبيَّة، واجتياز الدَّورة التدريبيَّة
التَّربويَّة، ذات المستوى الرَّاقي، ينبغي للمسلم أن يستمرَّ على الحالة
الحَسَنة الفاضلة، التي اكْتَسَبها في شهر رمضان المبارَك.
فالدَّورات
التَّدريبيَّة التي مِن هذا القبيل، إنما يُقْصَد منها إعداد النَّفس
والجَسَد؛ للعمل الصالح المُستمر، إذ هي وسيلة إصلاح وتهذيب بِهَدف
دوامهما.
إجراء الجرد السنوي:
إنَّ
المُؤسسات التجاريَّة والصِّناعيَّة، تُجري جَرْدًا سَنَويًّا لِمَعْرفة
أربحاها وخسائرها، وإعداد ما يلزم لِتَلافي الأخطاء في العام القادم.
فهل
ذات الإنسان أهون عليه مِن أمواله، وتجارته، وصِناعته، حتى يكون اهتمامُه
بِعَوَارض ما يملك أكثر مِن اهتمامه بِحَياته كلها، وبِسعادته في دار
الفناء، ثم في دار الخُلُود والبقاء؟!
إنَّ منَ الواجبات التي
تَجِبُ على المسلمين أفرادًا وجماعات، بعد اجتيازهمُ المدة الفاصلة بين
عام انْصَرَم، وعام قادم، أن يستفيدوا منَ الدروس العمليَّة التي مَرَّت
بهم خلال العام المُنْصَرم، وأن يضعوا نصب أعينهم عظاتها وخبراتها
التجريبيَّة، فمَن لم يستفِد من عظات الماضي، لم يظفر بِثَمرات المستقبل،
ولم يأمن مخاطره ومَهَالكه.
والعاقل الرَّشيد هو الذي يعلم أنَّ الحياة كلها دُرُوس وعظات، فهو شديد الانتباه إلى الاستفادة منها.
على
المسلمينَ أن يفتحوا صفحة الواقع المؤلم، الذي يعانون منه من قِبَل
أنفسهم، ومن قِبَل أعدائهم، ويجتمعوا على عمل مشترك عام، يدفعون به عن
أنفسهم وبلادهم ما هو جاثم على صُدُورهم مِن بلاء لا صارف له إلاَّ العودة
إلى طريق الإسلام الحق، والاستمساك بِتَعاليمه القَويمة، في كل أمر مِن
أمور الدِّين وأمور الدُّنيا، قائم على مفاهيم الوَحدة الإسلاميَّة،
ومعاني الجسديَّة الواحدة بين المسلمين.
على المسلمينَ إجراء جَرْدٍ شاملٍ لأعمال السنة الماضية، يقوم به أفرادهم وعامتهم وقادتهم، على مختلف المستويات.
وبعد
هذا الجَرْد تأتي مُحَاسبة النَّفس على أعمالها، ثم بعد ذلك يكون تقدير
الأرباح والخسائر، ثم يكون إعداد الخطط الحكيمة لتدارك النَّقص، وتلافِي
الخطأ، والسَّير في طريق الطاعة لله والكمال والمجد.
ثم يأتي الاستعداد لِتَنفيذ المخطَّط المشتمل على إصلاح الأوضاع العامَّة الفرديَّة والاجتماعيَّة.
ثم تأتي مُتابعة التَّنفيذ بِدِقَّة كامِلة.
وعلى الله قصد السبيل، ومنه التَّوفيق والمَعُونة.