ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآية 259، سورة التوبة الآيات 30-31،
قال تعالى فى سورة البقرة: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ
خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ
مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ
لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ
مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ
وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ
إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا
تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(259)}.
وقوله تعالى فى سورة التوبة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ
ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا
وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)}.
القصة:
قال
إسحاق بن بشر: إن عزيرًا كان عبدًا صالحًا حكيمًا خرج ذات يوم إلى ضيعة له
يتعاهدها، فلما انصرف أتى إلى خربة حين قامت الظهيرة وأصابه الحر، ودخل
الخربة وهو على حماره فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب،
فنزل في ظل تلك الخربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في
القصعة ثم أخرج خبزًا يابسًا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل
ليأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط فنظر سقف تلك البيوت
ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ورأى عظامًا بالية فقال:
{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} فلم يشك أن الله يحييها
ولكن قالها تعجبًا فبعث الله مالك الموت فقبض روحه، فأماته الله مائة عام.
فلما
أتت عليه مائة عام، وكانت فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث. قال:
فبعث الله إلى عزير ملكًا فخلق قلبه ليعقل قلبه وعينيه لينظر بهما فيعقل
كيف يحيي الله الموتى. ثم ركب خلفه وهو ينظر، ثم كسى عظامه اللحم والشعر
والجلد ثم نفخ فيه الروح كل ذلك وهو يرى ويعقل، فاستوى جالسًا فقال له
الملك كم لبثت؟ قال لبثت يومًا أو بعض يوم، وذلك أنه كان لبث صدر النهار
عند الظهيرة وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب، فقال: أو بعض يوم ولم يتم
لي يوم.
فقال له الملك: بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك
وشرابك، يعني الطعام الخبز اليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصره في
القصعة فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز يابس، فذلك قوله {لَمْ
يَتَسَنَّهْ} يعني لم يتغير، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير شيء من
حالهما فكأنه أنكر في قلبه فقال له الملك: أنكرت ما قلت لك؟ فانظر إلى
حمارك. فنظر إلى حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة. فنادى الملك عظام الحمار
فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه ثم ألبسها
العروق والعصب ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر، ثم نفخ فيه
الملك فقام الحمار رافعًا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقًا يظن القيامة قد
قامت.
فذلك قوله {وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ
آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ
نَكْسُوهَا لَحْمًا} يعني وانظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضًا في
أوصالها حتى إذا صارت عظامًا مصورًا حمارًا بلا لحم، ثم انظر كيف نكسوها
لحمًا {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ} من إحياء الموتى وغيره.
قال: فركب حماره حتى
أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منزله، فانطلق على وهم منه حتى
أتى منزله، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت
أمة لهم، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته، فلما
أصابها الكبر أصابها الزمان، فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير قالت:
نعم هذا منزل عزير. فبكت وقالت: ما رأيت أحدًا من كذا وكذا سنة يذكر
عزيرًا وقد نسيه الناس. قال إني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم
بعثني. قالت: سبحان الله! فإن عزيرًا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له
بذكر. قال: فإني أنا عزير قالت: فإن عزيرًا رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض
ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء، فادعوا الله أن يرد عليّ بصري حتى أراك
فإن كنت عزيرًا عرفتك.
قال: فدعا ربه ومسح بيده على عينيها
فصحتا وأخذ بيدها وقال: قومي بإذن الله. فأطلق الله رجليها فقامت صحيحة
كأنما شطت من عقال، فنظرت فقالت: أشهد أنك عزير.
وانطلقت إلى
محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم، وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة
وثماني عشر سنة وبنى بنية شيوخ في المجلس، فنادتهم فقالت: هذا عزير قد
جاءكم. فكذبوها، فقالت: أنا فلانة مولاتكم دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق
رجلي وزعم أن الله أماته مائة سنة ثم بعثه. قال: فنهض الناس فأقبلوا إليه
فنظروا إليه فقال ابنه: كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه. فكشف عن كتفيه
فإذا هو عزير.
فقالت بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا أحد حفظ
التوراة فما حدثنا غير عزير وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبقى منها شيء إلا
ما حفظت الرجال، فاكتبها لنا وكان أبوه سروخًا قد دفن التوراة أيام بختنصر
في موضع لم يعرفه أحد غير عزير، فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج
التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب.
قال: وجلس في ظل شجرة
وبنوا إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة ونزل من السماء شهابان حتى دخلا
جوفه. فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل فمن ثم قالت اليهود: عزير ابن
الله، للذي كان من أمر الشهابين وتجديده التوراة وقيامه بأمر بني إسرائيل،
وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل، والقرية التي مات فيها يقال
لها ساير أباذ.
قال ابن عباس: فكان كما قال الله تعالى:
{وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} يعني لبني إسرائيل، وذلك أنه كان يجلس
مع بنيه وهم شيوخ وهو شاب لأنه مات وهو ابن أربعين سنة فبعثه الله شابًا
كهيئته يوم مات.
قال ابن عباس: بعث بعد بختنصر وكذلك قال الحسن وقد أنشد أبو حاتم السجستاني في معنى ما قاله ابن عباس:
وأسود رأس شاب من قبله ابنه ***ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر
يرى ابنه شيخًا يدب على عصاٍ *** ولحيته سوداء و الرأس أشقرٍ
وما لابنه حيل و لا فضل قوةٍ *** يقوم كما يمشي الصبي فيعثر
يعد ابنه في الناس تسعين حجة *** وعشرين لا يجري و لا يتبختر
وعمر أبيه أربعون أمرها *** ولابن ابنه تسعون في الناس غبر
لما هو في المعقول أن كنت داريا *** وأن كنت لا تدري فبالجهل تعذر
المشهور
أن عزيرًا من أنبياء بني إسرائيل وأنه كان فيما بين داود وسليمان وبين
زكريا ويحيى، وأنه لما لم يبقى في بني إسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله
حفظها فسردها على بني إسرائيل، كما قال وهب بن منبه: أمر الله ملكًا فنزل
بمعرفة من نور فقذفها في عزير فنسخ التوراة حرفًا بحرف حتى فرغ منها.
وروى
ابن عساكر عن ابن عباس أنه سأل عبد الله بن سلام عن قول الله تعالى:
{وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} لما قالوا ذلك؟ قال بني
إسرائيل: لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا في كتاب وأن عزيرًا قد
جاءنا بها من غير كتاب.
ولهذا يقول كثير من العلماء إن تواتر التوراة انقطع في زمن العزير.
وهذا
متجه جدًا إذا كان العزير غير نبي كما قاله عطاء بن أبي رباح والحسن
البصري. وفيما رواه إسحاق بن بشر عن مقاتل بن سليمان، عن عطاء، وعن عثمان
بن عطاء الخراساني عن أبيه، ومقاتل عن عطاء بن أبي رباح قال: كان في
الفترة تسعة أشياء: بختنصر وجنة صنعاء وجنة سبأ وأصحاب الأخدود وأمر
حاصورا وأصحاب الكهف وأصحاب الفيل ومدينة أنطاكية وأمر تبع.
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال كان أمر عزير وبختنصر في الفترة.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أولى الناس بابن مريم لأنا، إنه ليس بيني وبينه نبي).
وقال وهب بن منبه: كان فيما بين سليمان وعيسى عليهما السلام.
وقد
روى ابن عساكر عن أنس بن مالك وعطاء بن السائب أن عزيرًا كان في زمن موسى
بن عمران، وأنه استأذن عليه فلم يأذن له، يعني لما كان من سؤاله عن القدر
وأنه انصرف وهو يقول: مائة موتة أهون من ذل ساعة.
وفي معنى قول عزير مائة موتة أهون من ذل ساعة قول بعض الشعراء:
قد يصبر الحر على السيف *** ويأنف الصبر على الحيف
ويؤثر الموت على حالة *** يعجز فيها عن قرى الضيف
فأما
ما روى ابن عساكر وغيره عن ابن عباس ونوف البكالي وسفيان الثوري وغيرهم،
من أنه سأل عن القدر فمحى اسمه من ذكر الأنبياء، فهو منكر وفي صحته نظر،
وكأنه مأخوذ عن الإسرائيليات.
وقد روى عبد الرزاق وقتيبة بن
سعيد، عن جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني، عن نوف البكالي قال: قال
عزير فيما يناجي ربه: يا رب تخلق خلقًا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء؟ فقيل
له: أعرض عن هذا. فعاد فقيل له: لتعرضن عن هذا أو لأمحون اسمك من
الأنبياء، إني لا أسال عما أفعل وهم يسألون، وهذا ما يقتضي وقوع ما توعد
عليه لو عاد فما مُحي.
وقد روى الجماعة سوى الترمذي من حديث
يونس بن يزيد، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة. وكذلك رواه شعيب عن أبي
الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم
أمر بها فأحرقت بالنار فأوحى الله إليه: فهلاّ نملة واحدة فروى إسحاق بن
بشر عن ابن جريج، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه أنه عزير، وكذا روي عن
ابن عباس والحسن البصري أنه عزير، فالله أعلم.