قال تعالى وادع إلى ربك وقال تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى
الشرح
قال
المؤلف رحمه الله تعالى باب الدلالة على الخير والدعوة إليه الدلالة على
الخير يعني أن يبين الإنسان للناس الخير الذي ينتفعونه به في أمور دينهم
ودنياهم ومن دل على خير فهو كفاعله وأما الدعوة إليه فهي أخص من الدلالة
لأن الإنسان قد يدل فيبين ولا يدعو فإذا دعا كان هذا أكمل وأفضل والإنسان
مأمور بالدعوة إلى الخير أي الدعوة إلى الله عز وجل كما قال تعالى وادع
إلى ربك وآخر الآية إنك لعلى هدى مستقيم وقال تعالى ادع إلى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وقال تعالى ولتكن منكم أمة
يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون
ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم
عذاب عظيم فهذه الآيات وأمثالها كلها تدل على أن الإنسان ينبغي له أن يكون
داعيا إلى الله ولكن لا يمكن أن تتم الدعوة إلا بعلم الإنسان بما يدعو
إليه لأن الجاهل قد يدعو إلى شيء يظنه حقا وهو باطل وقد ينهي عن شيء يظنه
باطلا وهو حق فلا بد من العلم أولا فيتعلم الإنسان ما يدعو إليه وسواء كان
عالما متبحرا فاهما في جميع أبواب العلم أو كان عالما في نفس المسألة التي
يدعو إليها يعني ليس بشرط أن يكون الإنسان عالما متبحرا في كل شيء بل
لنفرض أنك تريد أن تدعو الناس إلى إقام الصلاة فإذا فقهت أحكام الصلاة
وعرفتها جيدا فادعو إليها وإن كنت لا تعرف غيرها من أبواب العلم لقول
النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية ولكن لا يجوز أن تدعو بلا علم
أبدا لأن ذلك فيه خطر خطر عليك أنت وخطر على غيرك أما خطره عليك فلأن الله
حرم عليك أن تقول على الله ما لا تعلم قال الله تعالى قل إنما حرم ربي
الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما
لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال تعالى ولا تقف
ما ليس لك به علم أي لا تتبع ما ليس لك به علم فإنك مسئول عن ذلك إن السمع
والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ولا بد أيضا من أن يكون الإنسان
حكيما في دعوته ينزل الأشياء في منازلها ويضعها في مواضعها فيدعو الإنسان
المقبل إلى الله عز وجل بما يناسبه ويدعو الإنسان المعرض بما يناسبه ويدعو
الإنسان الجاهل بما يناسبه كل أناس لهم دعوة خاصة حسب ما يليق بحالهم
ودليل هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال
له إنك تأتي قوما أهل كتاب فأعلمه بحالهم من أجل أن يستعد لهم وأن ينزلهم
منزلتهم لأنهم إذا كانوا أهل كتاب صار عندهم من الجدل بما عندهم من العلم
ما ليس عند غيرهم فالمشركون جهال ضلال لكن أهل الكتاب عندهم علم يحتاجون
إلى استعداد تام وأيضا يجابهون بما يليق بهم لأنهم يرون أنفسهم أهل كتاب
وأهل علم فيحتاج الأمر إلى أن يراعوا في كيفية الدعوة ولهذا قال له إنك
ستأتي قوما أهل كتاب ولنضرب لهذا مثلا واقعيا لو أن رجلا جاهلا تكلم وهو
يصلي يحسب أن الكلام لا يضر فهذا لا نوبخه ولا ننهره ولا نشدد عليه بل
نقول له إذا فرغ من صلاته إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس
إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن لكن لو علمنا أن شخصا يعلم أن
الكلام في الصلاة حرام ويبطلها لكنه إنسان مستهتر والعياذ بالله يتكلم ولا
يبالي فهذا نخاطبه بما يليق به ونشدد عليه وننهره فلكل مقام مقال ولهذا
قال تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والحكمة أن تضع الأشياء في مواضعها
وتنزل الناس في منازلها لا تخاطب الناس بخطاب واحد ولا تدعوهم بكيفية
واحدة بل اجعل لكل إنسان ما يليق به فلا بد أن يكون الإنسان على علم بحال
من يدعوه لأن المدعو له حالات إما أن يكون جاهلا أو معاندا مستكبرا أو
يكون قابلا للحق ولكنه قد خفي عليه مجتهدا متأولا فلكل إنسان ما يليق به
ثم ذكر المؤلف قول الله تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
وجادلهم بالتي هي أحسن وسبيل الله هي دينه وشريعته التي شرعها الله لعباده
وأضافها إلى نفسه لسببين السبب الأول أنه هو الذي وضعها عز وجل للعباد
ودلهم عليها والثاني أنها موصولة إليه فلا شيء يوصل إلى الله إلا سبيل
الله التي شرعها لعباده على ألسنة رسله صلوات الله وسلامه عليهم وقوله
بالحكمة والموعظة الحكمة قال العلماء إنها من الأحكام وهو الإتقان وإتقان
الشيء أن يضعه الإنسان في موضعه فهي وضع الأشياء في مواضعها وأما الموعظة
فهي التذكير المقرون بالترغيب أو الترهيب فإذا كان الإنسان معه شيء من
الإعراض فإنه يوعظ وينصح فإن لم يفد فيه ذلك فيقول تعالى وجادلهم بالتي هي
أحسن إذا كان الإنسان عنده شيء من المجادلة فيجادل ، والمجادلة بالتي هي
أحسن أي من حيث المشافهة فلا تشدد عليه ولا تخفف عنه انظر ما هو أحسن
بالتي هي أحسن أيضا من حيث الأسلوب والإقناع وذكر الأدلة التي يمكن أن
يقتنع بها لأن من الناس من يقتنع بالأدلة الشرعية أكثر مما يقتنع بالأدلة
العقلية وهذا هو الذي عنده إيمان قوي ومن الناس من يكون بالعكس لا يقتنع
بالأدلة الشرعية إلا إذا ثبت ذلك عنده بالأدلة العقلية فتجده يعتمد على
الأدلة العقلية أكثر مما يعتمد على الأدلة الشرعية بل ولا يقتنع بالأدلة
الشرعية إلا حيث تؤيدها عنده الأدلة العقلية وهذا النوع من الناس يخشى
عليه من الزيغ والعياذ بالله إذا كان لا يقبل الحق إلا بما عقله بعقله
الفاسد فهذا خطر عليه ولهذا كان أقوى الناس إيمانا أعظمهم إذعانا للشرع أي
للكتاب والسنة فإذا رأيت من نفسك الإذعان للكتاب والسنة والقبول والانقياد
فهذا يبشر بخير وإذا رأيت من نفسك القلق على الأحكام الشرعية إلا حيث تكون
مؤيدة عندك بالأدلة العقلية فاعلم أن في قلبك مرضا لقوله تعالى وما كان
لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
بحيث لا يمكن أن يختاروا شيئا سوى ما قضاه الله ورسوله ومن يعص الله
ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا وقوله وجادلهم بالتي هي أحسن وجاء في آية
العنكبوت ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم
فهؤلاء لا تلينوا معهم إذا كانوا ظالمين فقاتلوهم بالسيف حتى يعطوا الجزية
عن يد وهم صاغرون وعلى هذا فتكون المراتب أربعة الحكمة الموعظة المجادلة
بالتي هي أحسن المجالدة بالسيوف لمن كان ظالما وقال تعالى ولتكن منكم أمة
يدعون إلى الخير