الحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم على إمام الدعاة وسيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين وبعد،
أخي المسلم أخي الداعية .. مما لا شك فيه أنك تحمل أعظم رسالة وتقوم بخير ما في الوجود من أعمال "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"، وإن هذه المهمة كي تكون ناجحة لا بد أن تكون على علم وبصيرة، لذا نقدم بين أيديكم هذه التوجيهات:
• اجتهد في تصحيح النية قبل أن تبدأ عملاً ثم اجعل شعارك العمل المتواصل مع الصبر الجميل، وإياك أن تقع في تناقض القول والعمل فتكون صاداً عن سبيل الله من حيث لا تدري، فالناس تعتبرك أنت الدعوة .. فكن حجة لهذا الدين لا حجة عليه.
• تذكر أن عين الجمهور فاحصة، ومنطق الأفعال والأحوال أقوى في الإقناع، والقدوة الحسنة لا يساويها شيء في التأثير، فليكن شعارك دائماً أصلح نفسك وادع غيرك بل واجتهد في إصلاح نفسك وتهذيبها وكن أول وأكثر من ينتفع بما يقول، كن خير قدوة في حالك قبل قولك واعلم أن المشعوذين والمنافقين مهما أجادوا الكلام فسرعان ما ينفضح أمرهم، لذا جاء في الخبر "احذر من منافق عليم اللسان".
• أنت أحرى بالانتفاع بما تقول .. ولسان الحال أبلغ من لسان المقال .. العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل" وكما قال الإمام علي: "خير من القول فاعله وخير من الصواب قائله وخير من العلم حامله" "وحال رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل" "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
لا تنه عن خلق وتــأتي مثلـه *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيــم
والعلم إن لم تكتنـفه شمــائـل *** تُعليه كان مطية الإخفـــاق
يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً *** إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها
• كن موقناً بالفكرة التي تدعو إليها ممتلئ النفس والعقل بها قبل أن تتسرع في بثها وإقناع الناس بها، فاقتناعك يجب أن يسبق إقناعك، وإخلاصك قبل عملك، وإذا تحدثت فتحدث بقلبك قبل لسانك .. تحدث بكلّك .. حديث الموقن الواثق مما يقول، المنفعل المتحرق لما يدعو إليه، واعلم أن عوامل نجاح فكرتك تكمن في "الإيمان والإخلاص والحماس والتضحية".
• احرص على إقناع الحاضرين بفكرتك وموضوع حديثك بلطف .. تدرج معهم من الحقائق المعلومة والمقررة إلى ما تريده وما تطيقه وتقنع به الأذهان، والزم الحكمة بأن تضع الحق موضعه، فليس كل ما يعرف يقال ولكل مقام مقال، فخاطب الناس على قدر عقولهم .. وما يعقلون بما يفهمون، فإن الحجة المقنعة كالطعام الجيد يهضمها العقل وينتفع بها، خاطبهم بما يمكن أن ينقلهم ولو خطوة واحدة إلى طريق الحق والتغيير للأفضل.
• ليس نجاح الطبيب في تشخيص الداء فحسب بل في وصف الدواء الناجع، فلا تذهب جهدك في وصف الواقع وتوزيع اللعنات ومآسي الناس بل اجتهد في تغييره إلى الأفضل .. "لا تلعنوا الظلام ألف مرة .. بل أوقدوا فيه شمعة .." واعلم أن مطيتك للتغيير هو مجال النفس "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وهذه سنة الله تعالى .. وكلما كان حديثك من القلب إلى القلب وصل وأحدث التغيير بإذن الله وما كان من اللسان فحسب لا يتجاوز الآذان ..
• تبين طبيعة الأرض قبل أن تحرث فيها وتبذر .. ادرس محيط دعوتك وتأنّ وتلطف في ذلك وكن كيّساً حسن المجاملة، وأنزل الناس منازلهم، التزم منهج العدل وأدب الحديث وتواضع العلماء، ولا تتطاول على الآخرين ولا تتعرض لعالم أو خطيب قبلك بسوء واعلم أن الشيطان لك بالمرصاد، وإن للمنابر لفتنة قلّ من يسلم منها .. فاحذر الرياء والغرور بنفسك أو بعملك أو بعبادتك .. واستعن بالله واستعذ به من نفث الشيطان.
• اشتغل بالأعم والأولى فهذا حصر للطريق وأوعى للتوفيق وكن سمحاً رقيقاً بشوشاً غير متجهم ولا منفر، وابحث عن نقاط الالتقاء والتقارب والتعارف واجعلها مدخلاً ووسيلة لدعوتك ومفتاحاً للقلوب من حولك، وكن ذا روح رياضية، لا تكابر إذا شعرت بخطأ موقفك وأسلوبك وما قد يبدر منك عفواً .. واحرص على مشاعر الحب وخلق الإيثار، ولا تطعن في مشاعر الحاضرين وتتعمد إحراجهم أو الإثقال عليهم بما لا يحبون.
• ابتعد عن الجدل المذموم والتزم بروح الموضوعية والعلمية والأريحية والرفق للوصول بالناس إلى سبيل الحق، وابتعد عن أسلوب الاستفزاز والتحدي مهما كانت حجتك دامغة فالتلطف لكسب القلوب أولى من كسب المواقف، وابتعد عن أسلوب العتاب المباشر والنقد اللاذع، اعرض هذا الدين بجوهره وروحه السمحة، لا تبدد طاقتك في توافه الأمور ولا فروع المسائل والمماحكات الفردية.
• إياك والاصطدام المباشر مع الآراء والمعتقدات والعادات المستقرة عند القوم المخاطبين بما يجرح مشاعرهم دفعة واحدة .. فتغيير العادات لا يتم ببساطة أو بموعظة .. واحذر من استثارة حفيظة فئة دون فئة فتتهم بالانحياز وتخسر فريقاً بأكمله من سُمّاع حديثك .. لا بأس أن تجامل في حدود الحق والصواب وتثني على صفات الخير ومواقف الآخرين فيه، واستمع لما عند غيرك من صواب وحق تحظ باحترام الآخرين.
• احرص دوماً على حسن اختيار الموضوع وحسن الأداء ويقظة الذهن لعناصره ومتابعة الحضور فهي من أهم عوامل نجاح الداعية.
• أحسن اختيار المادة .. موضوع الخطبة والموعظة .. بما يضيف جديداً على ثقافة الحضور وبما يناسب واقع ظروفهم ومستوياتهم .. وبما ينفعهم في حاضرهم وينير لهم المستقبل.
• اختر أحسن وأسهل الألفاظ للتعبير عن الفكرة والموضوع .. تجنب الألفاظ الغريبة والمنفرة، ولا تتكلف البلاغة والتقعر في العبارات .. واستخدم العبارات القصيرة الواضحة. واكسُ فكرتك خير رداء من البيان وزينها بالأدعية المأثورة ومقتطفات من الأدب والحكمة والشعر والمثل والقصة والعبرة، ولكن دون استطراد بل اجعلها كالتوابل بالنسبة للطعام.
• تخير الوقت المناسب للموضوع واجعل لحديثك سقفاً زمنياً حتى لا تشق على الحضور، أو تصيبهم السآمة والملل، فلا يكن حديثك بعد خطبة جمعة طويلة، أو في وقت حرٍ شديد، أو برد قارص، أو حال انشغال الناس بتجهيز ميت أو وداع مسافر، واعلم أن الإطالة هي آفة الخطباء والمحدثين، فاجتهد أن تركز على الفكرة وعدم الشتات والتفرع عن عناصرها ولا تردد كالبعض قولهم "لا أريد أن أطيل عليكم" واعلم أن للذهن طاقة محدودة يصيبه بعدها الإعياء والشرود وهي لدى العوام ربع ساعة تقريباً، وكثير منهم يكون وراءه مصالح ومشاغل ضاغطة، ومن الحكمة مراعاة ظروف العامة، واحذر من دوافع الإطالة كالإعجاب بالنفس وقدراتها وحب الشهرة، واعلم أن كثرة الحديث وإطالته وتشعبه ينسي بعضه بعضاً.
• تخير المكان المناسب لموعظتك ودرسك، فليس جميلاً أن تكون بجوار مصنع ذي ضجيج أو مكان يشق على الحضور.
• كن فطناً ذا بديهة تسعفك في التخلص من بعض المواقف المحرجة التي قد تتعرض لها كسؤال محرج، أو تصرف سفيه، أو طارئ قد يبعدك عن الموضوع، أو ما يقطع عليك أفكارك، حاول أن تدرك ما يجول بخواطر المستمعين، وكن فطناً لجوانب القضية التي تعرضها وما يمكن أن يعترض به البعض، واحرص أن تجيب على ما يمكن الاعتراض أو السؤال عنه قبل أن يقع .. بلطف وأدب .. وبما يشفي الصدور ويقطع سبيل الجدل المضيع للجهود والأوقات.
• طالع الصحف والأخبار وتزود من الثقافة العامة لتدرك مخططات الأعداء وأحوال العباد وستجد في بعضها مدخلاً أو موقفاً أو استهلالاً قوياً ومؤثراً للحديث والتعليق، فالداعية لا يكتفي بنثر البذور (وسقي الزروع) كيفما شاء بل يجتهد في رعايتها وحفظها من الآفات الضارة حولها.
• استحضر مادة الموضوع جيداً واحرص أن تكون فكرته وعناصره واضحة مرتبة في ذهنك، دوّن الأفكار والعناصر مرتبة في وريقة صغيرة كي ترجع إليها عندما تخشى التخليط أو الاستطراد أو النسيان، واعلم أنك بقدر ما تحترم عقول الناس وأفكارهم واستماعهم إليك ويرون منك اجتهاداً واسعاً وتحضيراً لتحديثهم وخطابهم وإفا